رغم التحديات والعراقيل.. تقارير اقتصادية تشير إلى نجاح الهند في البروز كقوة اقتصادية ناشئة كبرى
رغم انحسار مخاطر الركود العالمي؛ إلا أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووكالات التصنيف البارزة يتوقعون المزيد من التباطؤ في الأداء الاقتصادي العالمي هذا العام، بالتزامن مع التضخم المستمر والصراعات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط بالإضافة إلى الضغوط المالية، المخاطر التي تشكل عوامل سلبية على النمو العالمي.
علاوةً على ما سبق فإنه تلوح في الأفق أزمة ديون عالمية محتملة، فقد أشار مرصد الديون العالمي التابع لصندوق النقد الدولي إلى أن إجمالي الدين العام بشقيه العام والخاص قد ارتفع إلى 235 تريليون دولار، وهو ما يمثل نسبة 238% من إجمالي الناتج المحلي العالمي.
رغم هذه التوقعات المتشائمة للاقتصاد العالمي؛ تظهر الهند كقوة اقتصادية ناشئة كبرى، ففي مراجعته الاقتصادية الشهرية؛ أعلن البنك المركزي الهندي عن أن الدولة على أعتاب انطلاقة اقتصادية قوية طال التخطيط لها، وبالنسبة إلى الهند فهي تتمتع بوضع يسمح لها بالنمو الاقتصادي السريع، بسبب ما أظهرته من مرونة في التعامل مع التحديات الجيوسياسية وضغوط سلاسل التوريد.
تتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن تبلغ نسبة النمو العالمي في العام الجاري 3.1%، بينما تتوقع نسبة نمو 3.2% للعام القادم، بينما تشير التوقعات إلى نمو الهند وحدها بنسبة 6.6%، والذي يُعد معدل النمو الأسرع بين الأسواق الناشئة، فعلى الجانب الآخر من المتوقع أن تنمو كلٌ من الصين والبرازيل بنسب 4.9% و1.9% على الترتيب.
على الجانب الآخر؛ تشير توقعات نمو الاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو إلى نسب نمو منخفضة نسبيًا، تساوي 2.6% و0.4% و0.7% على الترتيب، في الوقت الذي أفاد فيه صندوق النقد الدولي ووكالات التصنيف مثل موديز وS&P بتقدم نمو الهند.
في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي في الشهر الماضي؛ تم تسليط الضوء بقوة على العوامل التي من المتوقع أن تحفز نمو الاقتصاد الهندي على مدار العامين الجاري والمقبل، حيث جاء تزايد الطلب المحلي وارتفاع عدد السكان في سن العمل كأبرز العوامل المؤدية إلى ذلك.
من جانبه أشار بنك الاحتياطي الهندي في تقريره الاقتصادي الشهري إلى الانخفاض الكبير الواضح في معدلات الفقر في الهند، وهو ما جذب اهتمام المراقبين العالميين، لتناقض هذه الإحصاءات ما كانت الهند قد سجلته في تقرير البنك الدولي في ذروة جائحة كوفيد 19 في عام 2021، حيث تم رصد 12.9% من سكان الهند تقوم حياتهم اليومية على 2.15 دولار فقط.
الآن تشير التقديرات الأخيرة إلى أن الهند على وشك مفارقة الفقر المدقع إلى الأبد، وإذا ما تم النظر إلى الأسباب؛ فإنه وعلى مدار السنوات العشر السابقة، حققت الهند نسبة 100% كهربة على مستوى البنية التحتية، إضافةَ إلى أنها أصبحت رابع دولة على العالم في مجال إنتاج الطاقة المتجددة.
فيما يخص قطاع الطرق والطرق السريعة؛ حققت الهند تقدمًا كبيرًا أيضًا فبنهاية العام الماضي امتلكت الهند نحو 66.71 ألف كم من شبكة الطرق، لتكون بذلك ثاني أكبر شبكة طرق في العالم، بينما شاركت الهند كذلك في الثورة الرقمية العالمية، فقد اعتمدت سبع دول كبرى بما فيها فرنسا والإمارات واجهة المعاملات المالية الهندية UPI.
فيما يخص القطاع التجاري، ورغم تباطؤ التجارة الدولية فقد سجلت الهند أعلى مستوى من الصادرات على الإطلاق بقيمة 778 مليار دولار في السنة المالية المنقضية، وقد تجاوزت الهند المتوسط العالمي في صادرات الخدمات في عام 2023.
زاد احتياطي الهند من النقد الأجنبي بمقدار 21.7 مليار دولار خلال العام الحالي، لتكون بين كبرى الدول من حيث الاحتياطي لديها، رغم بلوغ صافي التدفقات الخارجية نحو 1.1 مليار دولار من الأسهم الهندية خلال الشهر الماضي.
تغطي احتياطات النقد الأجنبي البالغة 644.2 مليار دولار أكثر من 10 أشهر من الواردات المتوقعة للعامين الحالي والمقبل، بالإضافة إلى جميع الديون الخارجية للبلاد منذ نهاية عام 2023، كما حافظت الهند على ثبات الاستثمار الأجنبي المباشر الداخلي عند 71.0 مليار دولار خلال الفترة من 2023 وحتى 2024 بعد أن بلغت 71.4 مليار دولار قبل عام.
أما عن التدفقات في الهند؛ فقد شارك كلٌ من الولايات المتحدة واليابان والإمارات وسنغافورة بما يزيد عن 80% منها، ومع ذلك فقد انخفض صافي الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 10.6 مليار دولار خلال الفترة 2023/ 2024، ما يعكس ارتفاع معدلات التوطين في الدولة.
تركز الحكومة في سياستها على دعم القطاعات الجديدة والمبتكرة، وقد ارتبطت خطط حوافز الإنتاج PLI بـ 14 قطاع، بإجمالي تمويل يبلغ 1.97 كرور روبية، لمشاريع في مراحل تنفيذ مختلفة، وضمت القطاعات مجال السيارات والبطاريات الكهربائية ومحللات الهيدروجين وقطاع التغذية والإلكترونيات وغيرها من المجالات.
في قطاع التصنيع الذي لا يجب إغفاله في الهند؛ تصدر قطاع السيارات الكهربائية المشهد، ففي شهر مارس الماضي أعلنت الحكومة الهندية عن توصلها إلى سياسة جديدة لجذب الاستثمارات إلى هذا القطاع.
تتمثل السياسة الجديدة للحكومة في قطاع الاستثمار في السيارات الكهربائية في السماح باستيراد الوحدات المبنية بالكامل برسوم 15% لمدة 5 سنوات، وذلك للشركات التي تستثمر بما قيمته 500 مليون دولار في إنشاء وحدة التصنيع في الهند.
تشارك الهند بقوة أيضًا في مجال الإلكترونيات تحديدًا الهواتف المحمولة، فعلى مدى السنوات العشر السابقة تضاعف إنتاج الهواتف المحمولة في الهند من 18.900 كرو روبية نحو 21 مرة خلال الفترة 2023/ 2024.
بفضل تصديرها هواتف iPhone؛ أصبحت الهند خامس أكبر دولة تصدر الهواتف المحمولة على مستوى العالم، بقيمة بلغت 29.1 مليار دولار خلال السنة المالية 24، مقابل 11.1 مليار دولار في السنة المالية السابقة.
يشير تقرير التوقعات العالمية الصادر عن وكالة S&P إلى أنه من المرجح أن تتضاعف السوق الاستهلاكية في الهند بحلول عام 2031، ومن المتوقع أيضًا أن يزيد الإنفاق على سوق التغذية في الدولة إلى 1.4 تريليون دولار مع ارتفاع الإنفاق على الخدمات المالية إلى 670 مليار دولار.
كل هذا التقدم في إحصاءات الهند على مدار العقد الماضي يشير إلى أنها أصبحت تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي، وأنها أصبحت تمثل عامل جذب كبير للمستثمرين على مستوى العالم.
مع معدل نمو يزيد عن ضعف نظرائه في الأسواق الناشئة وانخفاض التعريفات الجمركية وانخفاض تكلفة العمالة فإن هذه العوامل مجتمعة تساعد الهند في أن تظل عامل جذب رئيسي للمستثمرين من حول العالم.